" ناسا "، ذلك الاسم الذي يستحضر في الأذهان كما من الصور والمشاعر المدهشة: الهبوط على القمر، والمكوك الفضائي، والتلسكوب الفضائي "هابل"، وعددا من الرحلات والمشاريع العلمية المتنوعة، وكذلك عددا كبيرا من مشاهير علوم وتكنولوجيا الفضاء، كيف تبدو من الداخل ...؟
لما لذلك العالم من مناخ خاص, مناخ العلم في أعلى درجاته, والعمل التعاوني في أجمل صوره, والإبداع العلمي المكرس لغايات تبدو مستحيلة خارج دوائر الاختصاص. فنسعد للبشرية لما يتحقق لها في هذه المراكز من وجهة نظر علمية, وأتألم للفجوة الواسعة والعميقة التي ما فتئت تتسع بين العالمين الشمالي والجنوبي, والتي يتعجب المرء كيف يمكن أن تتوحد الكرة الأرضية من فوقها في المستقبل القريب أو البعيد.
ثمـــــــرة التحديـــــــــــــــــــــــات
تعود جذور ( ناسا ) في الحقيقة إلى عام 1915 عندما أنشأ الرئيس وودرو ولسن المجلس الوطني الاستشاري لعلوم الطيران ( NACA ناكــــا ) الذي تم تحويله إلى ( ناسا ) عندما أطلق السوفييت الصاروخ (سبوتنيك), وأحس الأمريكان أن القطب الشيوعي بصدد تحقيق سبق وتقدم استراتيجي بالغ الأهمية.
وتم بالتالي إعداد عدد من المشاريع الفضائية: ( Mercury), أول برنامج مخصص لتحقيق الرحلات الفضائية المأهولة بالبشر, وقد شارك فيه 54 رائداً في 6 رحلات تدريبية, ثم ( Gemini) الذي تضمن رحلات أطول في ظروف منعدمة الجاذبية وسباحة في الفضاء والتقاء مركبتين, ثم مشروع (أبولو) ( Apollo) العظيم برحلاته الإحدى عشر الناجحة, منها ست حطت على سطح القمر سمحت في المجمل لاثني عشر رائداً بالمشي عليه, ثم (سكاي لاب) ( Skylab) الرحلة المطوّلة التي دامت قرابة سنتين وسمحت للبشر بقضاء مدد طويلة (أسابيع عدة) في الفضاء لاختبار مقاومة أجسامهم لظروف انعدام الجاذبية, وكذلك القيام بتجارب متنوعة على مواد معينة, وأخيراً جاءت مرحلة المكوك الفضائي الذي سمح بوضع أجهزة مهمة في الفضاء ( التلسكوب هابل), المرصد الفضائي للأشعة غاما, وغيرهما, والقيام بتجارب مختلفة ومتقدمة في مجالات علمية وتقنية وطبية.
وحدثت طبعاً خلال المسيرة الطويلة إخفاقات, وهو شيء طبيعي لابد أن يحدث في مثل هذه المشاريع البشرية الكبرى. فقد شهدت أيام (مركوري) و(جيمناي) و(أبولو) الأولى انفجارات للصواريخ ومشاكل كبيرة في الفضاء, وكذلك لم ينج روّاد ( أبولو 13) بحياتهم- في رحلة شدت أنفاس العالم كله- إلا بأعجوبة.
ولكن أكبر كارثة في تاريخ ( ناسا ) كانت- بلاشك- انفجار المكوك (تشالنجر) وعلى متنه 7 رواد- منهم أول مدرسة عادية- في يناير 1986. ، فقد توقفت الرحلات المكوكية لثلاث سنوات, حتى تم تحديد سبب العطل بدقة ومن ثم تحاشيه.
ومن الإخفاقات الشهيرة أيضاً ذلك الخلل المهم الذي وجد في التلسكوب الفضائي (هابل) (الذي كان قد كلف ملياري دولار وسنوات طويلة من العمل والاجتهاد) بعيد وضعه في مدار حول الأرض في أبريل 1990.
ولكن تلك الإخفاقات تدل, أكثر من أي شيء آخر, على صلابة العزم لدى ( ناسا ) وقدرتها على تخطي الصعاب والمراحل الصعبة, بل والارتقاء الى مستوى هو أعلى من الطموح الأصلي. من منا لا يذكر ساعات العجب (التي زادت على المائة ساعة) التي قضاها روّاد الفضاء معلقين في الفراغ وهم يصلحون ويعوّضون قطع (هابل) المعيوبة, خاصة بعدما شاهدنا الصور المدهشة (والكم الهائل من المعلومات) التي تمكن التلسكوب من التقاطها وتقديمها للباحثين بعد أن تم التصليح.
http://www.dhadh.com/page.php?id=7240