عبدالرحيم بدر.. الطبيب الفلكي الذي احب الكون الخارجي
الدكتور عبدالرحيم بدر هو طبيب عام لكنه احب هواية وعلم الفلك الى حد كبير حتى انه الفّ العديد من الكتب، وكتب الكثير من الدراسات في الصحف والمجلات في الاردن والخارج في هذا المجال الذي ربما يراه البعض صعباً وغامضاً وخيالياً.
وجاء على لسان الكاتب الاردني الكبير يعقوب العودات (البدوي الملثم) وذلك في ستينات القرن الماضي ان الدكتور عبدالرحيم بدر قام في العام 1960 بنحت تلسكوب يدوي بنفسه من قياس (6) بوصات وبواسطة هذا التلسكوب انشأ مرصداً فلكياً خاصاً به.. ثم كان يراسل الجمعيات الاوروبية حول انجازاته كما نُشرت تقاريره الفلكية في المجلات الاوروبية الخاصة بعلم الفلك.
وقبل الاسترسال في موضوع الفلك الذي احبه الدكتور عبدالرحيم بدر وخصص له المجال الكافي من وقته طبيب ليُدهش المرء كيف انه فعلاً زاوج بين هذين العملين غير السهلين الطب والفلك!!.
وعن نشأة عبدالرحيم بدر فقد ولد في مدينة الخليل 1920 ورحل عن هذه الدنيا في العام 1994، اذ انه كان قد تلقى دراسته الابتدائية في بئر السبع وغزة حيث كان والده يعمل موظفاً في حكومة الانتداب ثم يسافر الى مصر لدراسة الطب في جامعة القاهرة، وقد تخرج منها عام 1945 ويعود بعد تخرجه الى فلسطين ليعمل طبيباً في حكومة الانتداب، وبعد نكبة الـ 1948 يلجأ الى مدينة اريحا ويزاول مهنة الطب في عيادة خاصة.
وما يذكر عن بدر: اسرع بي والدي الى مدينة اريحا.. وطرقنا باب عيادة متواضعة في مبنى حجري يقع في الشارع الغربي المتفرع من وسط المدينة.. وعندما دخلنا المكان استقبلنا الطبيب نفسه وادخلنا الى غرفة الكشف، بينما راح والدي يشرح له حكاية مرضي المفاجئ.. وسمعته يطمئنه.. وبعد الفحص السريري والمخبري اكد وجود قليل من الرمل.. ورفض اخذ الكشفية وثمن الدواء الذي صرفه من عنده لوالدي وهو يقول لوالدي ما يلي:.
''انا لا آخذ كشفية في المرة الاولى من سكان المخيمات''..
ويتابع صاحب لبمقالة يوسف حمدان : ولأنني احببت الدكتور عبدالرحيم بدر بسبب معالجته لي بالمجان فقد رحت اغوص بين جماهير المخيمات حاملاً اوراق دعايته الانتخابية وصوره المقرونة بصور الدكتور (يعقوب زيادين) ورحت ادور بها في كل مكان واتجاه.. كما قمت بتخطيط اسمه على جدران بيوت المخيم، وعندما حضر الى (مقهى الحوراني) لالقاء كلمة دعائية لحملته الانتخابية في اهالي مخيم النويعمة وحرصت على ان اقترب منه.. فقد احببت رخامة صوته وهو يصب كلماته المبحوحة في آذان مستمعيه تلك الكلمات التي عمقت في نفسي مشاعره الانسانية''.
والحديث عن الطبيب عبدالرحيم بدر المفكر والكاتب والفنان والرسام والشاعر والاديب والسياسي والوطني الغيور يطول.. فقد اصبح فيما بعد عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني وفي الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب ورابطة الكتّاب الاردنيين.
وللدكتور والفلكي عبدالرحيم بدر والد الاديبتين الشهيرتين ليانة بدر وليالي بدر العديد من الكتب الفلكية من تأليفه وبعضها المترجم.. حتى انه الف كتابا للاطفال الصغار حول الشمس والقمر والكواكب.
اما عن اشهر مؤلفاته الفلكية فهو كتابه (الكون الاحدب) والذي نشره في العام 1962 ثم توالت طبعاته لاربع مرات خلال ربع قرن سابق. ففي كتابه هذا يتناول عبدالرحيم بشرح بسيط مفهوم النظرية النسبية للعالم الفيزيائي الشهير أنشتاين فقد استطاع في هذا الكتاب باسلوبه الساحر وفكرته العميقةن من اقناع القارىء بمشاكل النظرية النسبية التي يتحدث فيها عن اربعة ابعاد ثم يتخطاها الى ابعاد اوسع واجمل.
ومن كتابه (الفلك عند العرب) والصادر في العام 1989 نقرأ بعض المعلومات الاولية المبسطة حول هذا العلم الذي يهتم بالنجوم والكواكب والابراج والفضاء حيث جاء منها مثلا ما يلي: ''ان الصحراء العربية الواسعة التي تمتد اطرافها لتتصل باللانهاية تملي على قاطنها ان يعرف موقعه منها، فيعرف كيف يصل الى مورد الماء والى مواطن الكل يرعى ابله، ويعرف منازل القبائل الاخرى لكي يغزوها اذا شعر بالقوة او يفر من وجهها اذا شعر بالضعف.
وكان يشعر بحاجة اقل من ذلك الى معرفة مواعيد الفصول وهطول الامطار وتقلبات الجو، وفي الواحات التي تصلح للزراعة كان يريد ان يعرف مواعيد الزراعة ومواعيد الحصاد.
كل هذه الحاجات جعلت الاعراب في الجاهلية وبعد الجاهلية يعرفون مواقع بعض النجوم التي تهديهم سواء السبيل وكان العرب يسمون هذا النوع من المعرفة بالتنجيم، وعندما اصبح علما مدروسا سموه علم (الهيئة) وما ان جاء الدين الاسلامي حتى ازدادت الحاجة الى علم الهيئة لتحديد اوقات الصلاة واوقات الصيام ومعرفة اتجاه القبلة.
اما الامم التي سبقت العرب في حضارتها فقد كانت لها دوافع اخرى او دوافع مماثلة، غير ان جميع الامم التي كانت لها حضارات في العصور القديمة والعصور المتوسطة - والعرب منهم - كانوا يؤمنون بان لحركات الكواكب في السماء اثرا في حياة الانسان وتصرفاته وقد يكون سبب ذلك يرجع بالاساس الى حضارات ما بين النهرين التي كانت ترى ان الكواكب تتقمص روح الالهة، ولكن كل حضارة ركزت دراستاها على نوع معين بحسب الفكرة التي كانت تسود تلك الحضارة عن هذا الاثر. فحضارات ما بين النهرين كانت تركز على الكواكب وتحركاتها، فالاجسام القدسية التي تتقمص روح الآلهة جديرة بالملاحظة والتتبع والرصد.
اما اليونان فالكواكب عندهم هي الالهة نفسها.. ولهذه الالهة من قصص الحب والانتقام الحسد والغيرة والمغامرات الغرامية ما يوجب ادخال النجوم في الحساب.
وكانت الحضارات في الهند وما بين النهرين قد اخذت تسمى بعض المجموعات النجومية في السماء. لكن الحضارة اليونانية لم تكن تترك مجموعة من المجموعات النجومية الظاهرة الا واطلعت عليها اسما من اسماء الابطال او الضحايا او الحيوانات التي دخلت تلك الاساطير.