فوياجر 1
تحدثنا العدد الماضي عن النجاحات الباهرة لبرنامج أبوللو الأمريكي، والتي أدت إلى هبوط الإنسان على القمر ست مرات. في أثناء ذلك كان لدى السوفييت أيضا برنامج آخر لاستكشاف القمر بواسطة مشروع "لونا"، حيث كانت مركبات "لونا" الآلية تذهب إلى القمر وتترك أعلاما سوفييتية من المعدن وتأخذ عينات من أرض القمر وتعود بها إلى الأرض! إلا أن هبوط الأمريكيين ببشر على القمر، والاهتمام الإعلامي الهائل الذي صاحب ذلك، كان قد غطى تماما على الإنجاز السوفييتي، إلا أن السوفييت استمروا يعملون.
السوفييت يعملون
ففي 15 ديسمبر 1970 حقق السوفييت أول هبوط ناعم على كوكب (عرفنا من قبل ما هو الهبوط الناعم)، وذلك بواسطة المركبة "فينيرا 7" التي هبطت على الزهرة، وأخذت في إرسال المعلومات عن الكوكب.
وفي 23 إبريل 1971 صنع السوفييت أول محطة فضائية، وهي المحطة "ساليوت 1"، إلا أن المحطة فشلت في تحقيق أهدافها، ودخلت إلى الأرض ثانية في أكتوبر من نفس العام، إلا أنها كانت النموذج الأولي لمحطات الفضاء التي خرجت إلى الفضاء بعد ذلك، وأهمها المحطة السوفييتية "مير"، ثم المحطة الفضائية الدولية التي تعمل حاليا.
صورة للمشترى من بيونير 10
في نوفمبر 1971 حقق السوفييت أول هبوط اصطدامي على المريخ بواسطة المركبة مارس 2، وفي ديسمبر من نفس العام حققت مارس 3 أول هبوط ناعم على المريخ، وقد بدا أن الروس قد تركوا القمر بما حمل للأمريكيين واتجهوا إلى أماكن أخرى!
والأمريكيون أيضا
عاد الأمريكيون إلى الصورة مع النجاح الهائل لمركبتهم "بيونير 10" والتي انطلقت في مارس 1972، حيث كانت "بيونير 10" أول جسم يغادر القسم الداخلي من المجموعة الشمسية، حيث عبرت من حزام الكويكبات ووصلت إلى المشترى لتلتقط أول صور قريبة له، وقد واصلت المركبة الرحلة لتصبح أول جسم من صنع البشر يخرج خارج حدود المجموعة الشمسية، واستمرت "بيونير" في طريقها لتصبح أبعد جسم صنعه البشر (إلى أن تخطتها المركبة "فوياجر 1" بعد ذلك)، والعجيب أنها مازالت تعمل بكفاءة! وقد كان آخر اتصال ناجح بها في 27 أبريل 2002، حيث استقبلت "ناسا 33" دقيقة من المعلومات من المركبة وهي على مسافة حوالي 80 وحدة فلكية. وفي يناير 2003 وصلت إشارة ضعيفة جدا من المركبة وغير واضحة. بعد ذلك تمت عدة محاولات للاتصال بالمركبة دون جدوى.
الغريمان يتصافحان في الفضاء!
وللمرة الأولى يلتقي برنامجا الفضاء الأمريكي والسوفييتي، في المهمة الاختبارية "أبوللو-سويوز عام 1975"، حيث التحمت المركبة الأمريكية "أبوللو" مع السوفييتية "سيوز" في الفضاء واشترك رواد المركبتين في إجراء التجارب. ورغم أن الرحلة قامت بعدة مهمات علمية، إلا أن غرضها الأهم كان سياسيا وليس علميا، حيث عبّرت الرحلة عن انفراجة بين القوتين العظميين، وعن نهاية سباق الفضاء المستعر بينهما.
وتستمر الرحلات الفضائية
استمر السوفييت بعد ذلك في برنامجهم المعروف بـ"فينيرا" لاستكشاف الزهرة، حيث دارت "فينيرا 9" لأول مرة في أكتوبر 1975 في مدار حول الكوكب، ثم هبطت على الكوكب وحصلت على أول صور يتم تصويرها من على سطح كوكب آخر. أما المركبة "فينيرا 13" فقد عادت بعينات من تربة الزهرة عام 1982، كما قامت بأول تسجيل صوتي يتم في عالم آخر بخلاف الأرض. أما الأمريكيون فقد حصلوا للمرة الأولى على عينات من تربة المريخ عن طريق المركبة "فايكينج لاندر" في يوليو 1976.
فينيرا 7
في 2 مارس 1979 خرج إلى الفضاء أول إنسان غير أمريكي وغير سوفييتي، وهو التشيكوسلوفاكي "فلاديمير ريميك".
النظر إلى ما هو أبعد
كان الأمريكيون قد بدءوا باستكشاف الأجزاء البعيدة من المجموعة الشمسية مع المركبة الناجحة "بيونير 10"، واستمروا بذلك مع المركبات التالية، فقد قامت "بيونير 11" بأول اقتراب من كوكب زحل عام 1979، ثم كانت "فوياجر 2" أول مركبة تمر بأورانوس عام 1986، وأول مركبة تمر بنبتون عام 1989.
وقد استمرت "فوياجر 1" في طريقها لتصل إلى أبعد مسافة قطعها جسم من صنع الإنسان، ففي 10 أغسطس 2007 قدرت المسافة التي تبعدها المركبة عن الشمس بحوالي 15.5 مليار كيلومتر! ومن هذه المسافة الهائلة فإن الإشارة التي تنطلق من المركبة إلى مركز التحكم على الأرض تستغرق حوالي 14 ساعة كاملة!
وبالرغم من أن "فوياجر 2" انطلقت قبل "فوياجر 1" بشهر، وهناك مراكب انطلقت بعدها في نفس الاتجاه، إلا أن أيا من هذه المراكب لن يستطيع أن يتجاوز المسافة التي وصلت إليها "فوياجر 1" وذلك بسبب السرعة الهائلة التي تسير بها، والتي اكتسبتها بفضل استفادتها من جاذبية الكواكب التي مرت بها للحصول على دفعات قوة لزيادة السرعة.
تليسكوب الفضاء هابل
من المتوقع أن تظل أجهزة توليد الطاقة في المركبة قادرة على العمل حتى 2020.
عين في الفضاء
شهد عام 1990 إطلاق أول تليسكوب فضائي، وهو التليسكوب "هابل". ولأول مرة يكون هناك تليسكوب لا يتأثر بالعوامل المناخية على الأرض، ولا يشد العاملون عليه شعورهم عندما تغطي السحب السماء. إضافة إلى هذا فلا تتأثر الرؤية بظاهرة تشتت الضوء بواسطة الغبار العالق بالهواء، كما أن التليسكوب يلاحظ الأشعة فوق البنفسجية التي عادة ما تمتصها طبقة الأوزون فلا تصل إلى الأرض. ومنذ إطلاقه حتى الآن، وهذا التليسكوب الهائل يعتبر أهم أداة فلكية صنعت على الإطلاق على مدى التاريخ.
ومنذ إطلاقه تم عمل 4 عمليات صيانة فضائية له، وهناك عملية صيانة خامسة ستتم في سبتمبر 2008.
"جاليليو" و"عوليس" ومركبات أخرى
وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، والمشاكل الجمة التي عانت منها الدول المنفصلة عنه، صارت مهمة استكشاف الفضاء ملقاة على عاتق الولايات المتحدة التي انفردت بمعظم الاكتشافات والإنجازات في هذا المجال.
واستمر الأمريكيون في برنامجهم لاستكشاف الفضاء، ففي 1991 حققت المركبة "جاليليو" إنجازا باقترابها لأول مرة من أحد الكويكبات التي تدور في منطقة حزام الكويكبات، ثم أكملت طريقها لاستكشاف أقمار المشترى، وكانت المركبة الأولى التي تحقق دورة كاملة حول المشترى عام 1995.
عام 1992 اتخذت المركبة "عوليس" مدارا معينا لتستطيع استكشاف المناطق القطبية من الشمس، وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي نعرف فيها شيئا عن هذه المناطق المختفية من الشمس.
عام 1998 عادت روسيا إلى الصورة مع إنجاز جديد، وهو إطلاق أول مركبة فضائية من غواصة! وهي الغواصة الروسية " K-407".
في فبراير 2000 حققت المركبة الأمريكية NEAR Shoemaker إنجازا بقيامها لأول مرة بالدوران حول أحد الكويكبات، وفي فبراير 2001 حققت إنجازا آخر بهبوطها على أحد الكويكبات.
سائح في الفضاء!
كان يوم 28 أبريل 2001 يوما مشهودا في تاريخ الاستكشاف الفضائي، فلأول مرة يخرج شخص من الأرض لغرض السياحة، وذلك في المركبة الروسية "Soyuz TM-32"، والتي خرجت حاملة الإمدادات للمحطة الفضائية الدولية، وأخذت معها "بالمرّة" السائح الفضائي الأول في التاريخ، وهو الأمريكي "دينيس تيتو"، وقد كلفته هذه الرحلة 20 مليونا من الدولارات، مما يجعلها أغلى سَفرَة في التاريخ!
دينيس تيتو أول سائح في الفضاء
نهوض التنين الصيني
في 15 أكتوبر 2003 كانت الصين ثالث دولة ترسل رحلات فضائية مأهولة، بعد كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. حيث انطلقت المركبة "شيتزو 5" من القاعدة الصينية "جويكان"، وقد صاحب الإطلاق دعاية سياسية هائلة عن نجاح برنامج الفضاء الصيني.
رحلات فضائية خاصة!
أما في 21 يونيو 2004، فد انطلقت أول رحلة فضائية ممولة من جهات خاصة وليس من حكومات، وهي المركبة الفضائية "SpaceShipOne 15P".
كانت الرحلة تحمل الرائد "مايك ميلفيل" والذي أصبح أول رائد فضاء غير حكومي في التاريخ. وقد كانت الرحلة اختبارية بدون أهداف علمية.
أما الإنجازات المهمة التالية –في رحلتنا لاستعراض أهم إنجازات الإنسان في محاولاته الخروج من الأرض– فهي إنجازات المركبة "كازيني هويجينز" التي قامت بالدوران لأول مرة حول زحل في يوليو 2004، ثم حققت هبوطا ناعما فوق تيتان في يناير 2005.
ومازالت رحلات الفضاء تتوالى، وهناك خطط يصل مداها إلى عشرات السنوات تهدف لاستكشاف ما لم يتم استكشافه بعد، فالكون أكبر بكثير مما يمكن تخيله، وحتى مجموعتنا الشمسية الصغيرة جدا بالمقياس الكوني مازالت عالما مجهولا مليئا بالمفاجآت بالنسبة لنا.
ووفقا لآخر إحصاء في 10 أكتوبر 2007، فإن عدد البشر الذين خرجوا من الأرض وصعدوا إلى الفضاء يبلغ 458 شخصا من 38 دولة، منها جنوب إفريقيا وإيران وإسرائيل والبرازيل وماليزيا وأفغانستان والهند وسوريا والسعودية. وحتى اليوم لم نر رائد فضاء مصرياً، ولا يبدو أننا سنراه قريباً، ولا حتى بعيداً!