إلى متى تستمر ظاهرة الجمعيات العصّامية ....؟؟
لطالما تقبلنا فكرة وجود جمعيات أهلية بيننا، ونادت أكثر من من جهة بأهمية الانتقال إلى المجتمع الأهلي، وتم تبني رأي النخبة منا بوجوب مشاركة جميع القطاعات في عملية البناء والتطوير، ورفع شعار " سورية التشاركية "، فلماذا اليوم نلمس توقفاً مفاجئاً لتلك الصيحات وخموداً واضحاً للحماسة، فقد تركت بعض الجمعيات وحدها في الميدان ..
لا بل إنَّ هناك بعض الجهات المعنية بالشأن تعرقل عملها ولا تتوانى عن وضع المعوقات في طريقها، كأنها جمعيات تعمل لصالح أطراف خارجية ولا تمت بصلة للداخل، حتى ظنّنا أن ماهية عملها تقترب من العمالة والارتباط بالأجنبي المكروه ..معاذ الله ..
كثير من الشكاوى تقع على مسامعي مقدمة من مجالس إدارات هذه الجمعيات التي حصلت على ترخيص من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل( جمعية أصدقاء البيئة ـ أصدقاء دمشق ـ الجمعية الكونية السورية ـ جمعية بنى ـ جمعية بيسان ـ جمعية السل والأمراض التنفسية ..) وأعطيت الضوء الأخضر لمباشرة عملها على أساس توفر حضن دافئ وبيئة صالحة لها ..
ثم تسقط تلك الوعود عند أول مطلب تقدمه لأي جهة حكومية، فمثلاً جمعية " هواة الفلك السوري " أمس دعتنا لحضور عمليات رصد للسماء السورية، وهي عملية تقوم بها كل شهر مرة كجزء من نشاطها، ترصد خلالها الأجرام السماوية والنجوم والكواكب التي لا ترى بالعين المجردة ..وذلك عن طريق ( التيليسكوبات وبعض المعدات ) التي تملكها الجمعية من حسابها الخاص، في البدايات طالبت الجمعية الجهات الرسمية بأن تمدها ببعض الأدوات ولكن لم تسمع سوى صدى مزعجاً لمطالبها ومثبطاً لتطلعاتها، فانتهجت سياسة الاعتماد على الذات ..
جمعية "هواة الفلك" جمعية تضم ما يقارب 200 عضو، 30 من أطفال و25 أساتذة جامعيين، وبذلك يكون الطابع الشبابي الحميمي هو الغالب عليها، ولأن القانون العام للجمعيات رقم 59 لا يلزم الوزارة المعنية بتقديم دعم مالي أكثر من 25 ألف ل.س في السنة، لذلك اعتمدت في تمويلها على اشتراك الأعضاء فيها .
تأسست منذ عامين ، يقول بعض أعضائها إنها انشقت عن الجمعية "الكونية السورية" التي يترأسها الدكتور فايز فوق العادة، وعلى الرغم من التنافس الحاد بين الجمعيتين لا يزال الاحترام قائماً بين الطرفين، استطاعت الجمعية خلال عامين تحقيق سلسلة من النشاطات الثقافية بلغت 450 محاضرة في مختلف المحافظات وحتى خارج القطر، و60 ليلة رصد فلكية منها رصد الخسوف والكسوف وهلال شهر رمضان، والهطول الشهابي في دير مار موسى وقد شارك فيه أكثر من 2000 شخص بدعوتها ورعايتها، إضافة إلى المؤتمرات خارج سورية ( اليابان ـ الجزائر ـ تونس ـ الإمارات وغيرها ) .
السيد محمد العصيري رئيس الجمعية وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، يطمح إلى امتلاك الجمعية لـ"تيليسكوب" أكبر من الموجود حالياً لديه والبالغ قطره ( 8 إنشات )، ويطمح أيضاً إلى دعم أكبر من الحكومة أو الوزارة، فكل مشاكل الجمعية تتجسد في الأزمة المادية والافتقار للمال، وأشار في حديثه لـ"بلدنا" قائلا:
" هدفنا نشر الثقافة الفلكية الغائبة عن الأذهان، علماً بأننا أول من اشتهر في هذا العلم حتى إن العالم اختار سورية مرصداً مهماً في عام الفلك القادم، ننشر الثقافة بكل أنواعها، وقد وضعنا برنامج عمل يتضمن محاضرات قيمة يلقيها أساتذة على مستوى عال من الثقافة ".
وأضاف: " لا ندَّعي بأننا الأفضل، ولكن بالنسبة إلى ما نواجهه من صعوبات، نحن نعتز بما فعلناه، ولا ننسى أننا في البدايات والطريق طويل أمامنا، الصحافة الأجنبية تعرفنا والمحلية تجهلنا، لماذا ..؟
وفد إيطالي أرسله الاتحاد الأوروبي، حلّ ضيفاً على الجمعية أمس، وشارك في عمليات الرصد الفلكي التي قامت بها في تدمر، وحمداً لله بأننا ولأول مرة نتفوق على أجنبي بتميز، فقد أبدوا إعجابهم الشديد بالعرض الشامل الذي قدمه السيد مجد الصاري أحد أعضاء الجمعية عن أنواع النجوم والكواكب المتواجدة في سماء سورية، لافتاً النظر إلى أن الموسوعات العلمية العالمية حافظت على أسماء الكواكب باللغة العربية ولم تعمل على تغييرها .
"تولدت لدينا الفكرة بزيارة سورية بعد أن اختيرت مدينة الفلك لعام 2009 حيث أجريت في سمائها أولى عمليات الفلك في العالم، واليوم سيكون فاتحة خير لبدء تعاون حقيقي مع السوريين"، حسب ما جاء في تصريح السيد آندريه كاروزي رئيس الوفد الإيطالي المشارك، مشيراً إلى أن " التجربة السورية غنية وثرية ولا غنى عنها، وعندما تتوفر لديكم تجربة عظيمة لا يمكننا أن نأتي ببرنامج أوروبي الصنع ونفرضه عليكم " .
وتحدّث عن أهمية تبادل المعلومات والخبرات بين الطرفين، فقال: سنعمل على تقديم المساعدات التي بإمكاننا تقديمها ..
هناك أشكال تعاون متعددة مع الأوروبيين، ووفود عدة زارت سورية في الآونة الأخيرة، يقول رؤساؤها: "إننا نسعى إلى التعاون معكم، ونقدم عروضاً سخية لكم .. ولكن عليكم توفير بيئة قانونية ومدنية وأطر مؤسساتية لنجاح ما نعرضه عليكم .. أنتم شعب مضياف ولكن يجب أن تتكلموا وتعملوا بجد ". هذا ما أكدته الخبيرة الدكتورة آنا ماريا التي جاءت إلى سورية خصيصاً لرصد سمائها!!
نشكر بدورنا الجانب الأوروبي ونبارك كل اتفاقيات الشراكة معه ونأمل في ذات الوقت تشجيعاً محلياً أكثر ..ودعماً ومتابعة أكبر ...دعماً يخرج من محيط تشكيل اللجان وعقد الاجتماعات إلى تنفيذ الخطط وتطبيق النتائج والتوصيات المتمخضة عن تلك اللقاءات ..
قيمة مضافة :
للجمعية فرع آخر يعمل في حمص ..فرع لا يقل نشاطه عن نشاط فرع دمشق بل ويزيده بأنه أكثر عصامية منه ، فإذا كان المتواجدون هنا يحصلون على تقدير سنوي من الوزارة يسمى "بدل أرض" لبناء مقر للجمعية، إضافة إلى دعم بسيط من بعض القطاعات الخاصة ( كأطلس ومطعم AM )، يحصلون عليه بشق الأنفس، فإن فرع حمص يدرج في قائمة المنسيين تاريخياً، ويكاد يدخل ذاكرة التاريخ .. فهل تراجع المحافظة نفسها قليلاً ؟؟
جريدة بلدنا
المصدر: شذا المداد
31 / 12 / 2007