شهد يوم السادس عشر من شهر يونيو عام 1963 أول رحلة فضائية قامت بها امرأة. وباتت فالينتينا تيريشكوفا تلك الرائدة الأولى في تاريخ البشرية. وقضت تيريشكوفا في المدار حول الأرض يومين ونصف.
عندما طالبت السلطات السوفيتية سيرغي كوروليوف (كبير المصممين للصواريخ الفضائية آنذاك ومؤسس الملاحة الفضائية في الاتحاد السوفيتي) بإخراج "مسرحية فضائية" جديدة هذه المرة تحت شعار "المساواة بين الرجل والمرأة في البلد السوفيتي"، أضطر إلى ايجاد تعليل علمي لإرسال المرأة إلى الفضاء الكوني. وتمثل هذا التعليل في نهاية المطاف في "ضرورة دراسة تأثير عوامل الرحلة الفضائية على جسم المرأة". ومن آلاف المرشحات وقع الاختيار على فالينتينا تيريشكوفا وإيرينا سولوفيوفا كرائدة احتياط.
وتحملت تيريشكوفا الرحلة بصعوبة بالغة. فقد كانت حالتها الصحية سيئة إلى درجة أنها لم تتمكن معها من تنفيذ كل مهمات البعثة في مرحلتها الأولى، ولكنها صمدت رغم المعاناة الشديدة بشجاعة وطلبت تمديد الرحلة. وينسب إلى كوروليوف قوله آنذاك: "لا أريد سوى أن تهبط بالسلامة، فقد أخذت مني نصف عمري".
واعترفت فالينتينا تيريشكوفا في تصريح أدلت به مؤخرا بعد أن لزمت الصمت منذ نهاية الثمانينات بأن بعض الأمور لم تكن تسير على خير ما يرام أثناء رحلتها الفضائية حيث فوجئت بأن سفينتها الفضائية تبتعد عن الأرض أكثر فأكثر في حين ينبغي عليها ان تتقرب من الأرض. وتم إصلاح خطأ في برمجة الرحلة.
كما واجهت رائدة الفضاء صعوبات ناتجة عن ارتداء بزة الفضاء التي لم يسمح لها بخلعها وهي داخل السفينة الفضائية. كما واجهت رغبة تصعب مقاومتها في تناول الطعام "الأرضي"، إذ سئمت من الطعام الفضائي لدرجة التحريض على التقيؤ. وأخيرا كادت تهبط لدى عودتها إلى الأرض على سطح إحدى البحيرات. ولحسن حظها حملتها الريح فوق البحيرة لتهبط على سطح الأرض..
وكانت الملاحة الفضائية المأهولة في الفترة اللاحقة تتطور على قدم وساق، وظهرت في الاتحاد السوفيتي مركبات فضائية جديدة وازداد عدد الرحلات ولكن كل هذا التقدم لم يشمل المرأة السوفيتية. فقد تم تسريح كل النساء ما عدا تيريشكوفا من فريق رواد الفضاء السوفيت وخلال السنوات العشرين التي أعقبت رحلتها لم يسافر إلى الفضاء الكوني سوى رجال.
واستأنف الاتحاد السوفيتي إرسال النساء إلى الفضاء في الثمانينات كرد على البرنامج الأمريكي المماثل. ففي عام 1982 قامت سفيتلانا سافيتسكايا برحلة إلى محطة "ساليوت - 7" المدارية على متن مركبة "سويوز" وبعد عامين باتت أثناء رحلتها الثانية أول امرأة في العالم خرجت إلى الفضاء المكشوف.
وبعد مرور 12 عاما سافرت إلى الفضاء امرأة روسية أخرى هي يلينا كونداكوفا التي شاركت في البعثات الكونية مرتين: المرة الأولى - على متن "سويوز" والمرة الثانية - على متن "المكوك" الفضائي الأمريكي. وبقضائها إجمالا 169 يوما على متن مجمع "مير" المداري سجلت كونداكوفا الرقم القياسي لبقاء المرأة في الفضاء الكوني.
وخضعت في الولايات المتحدة أول مجموعة من الطيارات للفحص الطبي بغية إعدادهن للمشاركة في بعثات فضائية منذ عام 1961. وأثارت نتائج الفحوصات دهشة الأطباء لأنها كانت أفضل منها لدى الرجال. غير أن وكالة "ناسا" الفضائية الأمريكية أعلنت أنها في الغنى عن النساء الرائدات متذرعة بقرار الرئيس أيزنهاور الصادر في 1959 والقاضي بأن رواد الفضاء لا بد وأن يكونوا عسكريين حصرا. (وربما لنفس هذا السبب منحت تيريشكوفا وزميلاتها في فريق رواد الفضاء رتبة ملازم؟) ولم تسافر أول امرأة أمريكية وهي سالي رايد إلى الفضاء الكوني إلا في عام 1983.
هذا ويبلغ عدد النساء رائدات الفضاء في العالم اليوم 50 امرأة في روسيا والولايات المتحدة بريطانيا وكندا وفرنسا واليابان وكوريا.