لقد بني نجاح العرب في علم الفلك على استخدامهم آلات الرصد والتي كانت قليلة قديماً، ولا يعرف بدقة متى وأين أقيم أول مرصد في العالم، فبعض المؤرخين يقولون أن أول مرصد هو مرصد الإسكندرية الذي أنشئ في القرن 13 ق.م، بينما يدعي آخرون أن أول المراصد كان في ستونهينج في إنجلترا ويعود تاريخه إلى الفترة الواقعة بين 2800 و1500 ق.م.
وقد تم بناء أول مرصد بالعالم الإسلامي في دمشق بالعصر الأموي، وبقي هذا المرصد وحيداً حتى العصر العباسي، حيث أمر المأمون ببناء المراصد الفلكية وقدم لها كل ما تحتاج من أموال لبنائها ولتجهيزها بأدوات الرصد. فبنى مرصد الشماسية في بغداد عند باب الشام، وأمر خالد بن عبد الملك المروزي ببناء مرصد على سفح جبل قاسيون في دمشق، هذا المرصد كان عبارة عن حائط طول ضلعه عشرة أذرع، وعمل فيها ربع دائرة من الرخام، ثم جعل ربع الدائرة محفورة، كي تجري فيه قطعة صغيرة مثقوبة، يتم النظر من خلالها. وبنى أبناء موسى بن شاكر مرصد خاص في بغداد على طرف الجسر المتصل بباب الطاق، فاستخرجوا فيه حساب العرض الأكبر من عروض القمر، كما أقام أبناء موسى بن شاكر مرصد آخر في سامراء كان بداخله آلة كروية الشكل تحمل صور النجوم في وسطها، وتدار بالقوة المائية، وكلما غاب نجم في قبة السماء ظهرت صورته في الخط الأفقي للآلة الكروية.
وبنى شرف الدولة البويهي أيضًا مرصدًا في بستان دار المملكة ويسمى المرصد الشرفي، ومن أشهر الفلكيين الذين قاموا بالرصد فيه الكوهي الصاغاني والبوزجاني والحراني والصوفي. ويقال إنه لما عهد إلى الكوهي عملية الرصد في هذه الدار أمده شرف الدولة بمختلف الآلات، وقد تمكن الكوهي بوساطة هذه الآلات من رصد الكواكب السبعة في مسيرها وتنقلها.
وفي العصر الفاطمي أقيم المرصد الحاكمي على جبل المقطم بالقاهرة، وأشهر من عمل به ابن يونس المصري. وفي سنة 657 ? وفي عهد هولاكو أنشأ نصر الدين الطوسي مرصد مراغة في إقليم أذربيجان، حيث زود المرصد بأدق الآلات وكان من أشهر مراصد المشرق والذي اعتمد الأوروبيون عليه في عصر النهضة الأوروبية، كما أنه يعتبر من أكبر المراصد التي قام ببنائها. ومن الفلكيين الذين عملوا في هذا المرصد المؤيد العرضي من دمشق، والفخر المراغي من الموصل، والفخر الخلاطي من تفليس، ونجم الدين القزويني، ومحي الدين المغربي.
ويعد مرصد سمرقند الذي أنشأه أولغ بك حفيد تيمور من أشهر المراصد خلال بداية القرن الثامن الهجري، حيث زود هذا المرصد بجميع الآلات والأدوات المعروفة في زمانه. وقد زيِنت إحدى جدرانه بنقوش تمثل الأجرام السماوية المتعددة وقد كانت غاية في الإتقان. وكان يؤمه الناس من شتى البقاع على أنه إحدى عجائب الدنيا آنذاك. واستطاع أولغ بك، الذي كان هو نفسه عالماً، أن يخترع آلات جديدة ثبتت فعاليتها وأعانت العاملين في المرصد. وبدأ في الأرصاد عام 1327م وعهد لغياث الدين بن جمشيد الكاشي وقاضي زاده رومي بإجراء الأرصاد لتصحيح بعض الأرصاد التي قام بها فلكيو اليونان، حيث كان حساب التوقيعات للحوادث على ما قرره بطليموس لا يتفق والأرصاد التي قام بها أولغ نفسه. ومن أهم إنجازات هذا المرصد الزيج المعروف باسم السلطاني الجديد الذي ظل العمل به ساريًا قرونًا عديدة.
وإلى جانب هذه المراصد كانت توجد مراصد أخرى في أرجاء العالم الإسلامي منها: مرصد ابن الشاطر في بلاد الشام، ومرصد الدينوري في أصبهان، ومرصد البتاني في الرقة أيضًا، ومرصد البيروني ومرصد بني الأعلم وغيرها في الأندلس ومصر وبلاد فارس.
ومرصد صومعة اشبيلية (الجرالدا) أوّل مرصد بني في أوروبا، حيث شيده أمير الموحدين السلطان يعقوب المنصور في سنة 591 هجريّة بجانب مسجده، تخليداً لذكرى انتصاره في معركة (أراكه)، وبلغ ارتفاعه مائتي قدم، ومّما يؤسف له أنّ الملك (فرديناند) وضع مكان المرصد الصليب والناقوس، وخرّب آلات الرصد بعد دخوله اشبيلية، ومرصد نيسابور الذي شيده السلطان ملكشاه السلجوقي، وكان من أشهر علمائه الشاعر عمر الخيام.
وهذه صورة لمرصد مراغة:
أعتذر عن عدم وجود صور للمراصد، لكنني بحثت ولم أجد سوى هذه الصورة، وعندما أجد أي صورة جديدة سأقوم إن شاء الله بإدراجها بالموضوع.